كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي رواية البخاري بإسناده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله تعالى أن يخبر أزواجه. قالت: فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك» وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه قالت: ثم قال: إن الله تعالى قال: {يا أيها النبي قل لأزواجك} إلى تمام الآيتين. فقلت له: ففي أيّ هذا أستأمر أبويّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة.
لقد جاء القرآن الكريم ليحدد القيم الأساسية في تصور الإسلام للحياة. هذه القيم التي ينبغي أن تجد ترجمتها الحية في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحياته الخاصة؛ وأن تتحقق في أدق صورة وأوضحها في هذا البيت الذي كان وسيبقى منارة للمسلمين وللإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ونزلت آيتا التخيير تحددان الطريق. فإما الحياة الدنيا وزينتها، وإما الله ورسوله والدار الآخرة. فالقلب الواحد لا يسع تصورين للحياة. وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
وقد كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم قد قلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده. فنزل القرآن ليقرر أصل القضية. فليست المسألة أن يكون عنده أو لا يكون. إنما المسألة هي اختيار الله ورسوله والدار الآخرة كلية، أو اختيار الزينة والمتاع. سواء كانت خزائن الأرض كلها تحت أيديهن أم كانت بيوتهن خاوية من الزاد. وقد اخترن الله ورسوله والدار الآخرة اختيارًا مطلقًا بعد هذا التخيير الحاسم. وكن حيث تؤهلهن مكانتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الأفق العالي الكريم اللائق ببيت الرسول العظيم. وفي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم فرح بهذا الاختيار.
ونحب أن نقف لحظات أمام هذا الحادث نتدبره من بعض زواياه.
إنه يحدد التصور الإسلامي الواضح القيم؛ ويرسم الطريق الشعوري للإحساس بالدنيا والآخرة. ويحسم في القلب المسلم كل أرجحة وكل لجلجة بين قيم الدنيا وقيم الآخرة؛ بين الاتجاه إلى الأرض والاتجاه إلى السماء. ويخلص هذا القلب من كل وشيجة غريبة تحول بينه وبين التجرد لله والخلوص له وحده دون سواه.
هذا من جانب ومن الجانب الآخر يصور لنا هذا الحادث حقيقة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين عاشوا معه واتصلوا به. وأجمل ما في هذه الحقيقة أن تلك الحياة كانت حياة إنسان وحياة ناس من البشر؛ لم يتجردوا من بشريتهم ومشاعرهم وسماتهم الإنسانية. مع كل تلك العظمة الفريدة البالغة التي ارتفعوا إليها؛ ومع كل هذا الخلوص لله والتجرد مما عداه. فالمشاعر الإنسانية والعواطف البشرية لم تمت في تلك النفوس.
ولكنها ارتفعت، وصفت من الأوشاب. ثم بقيت لها طبيعتها البشرية الحلوة، ولم تعوق هذه النفوس عن الارتفاع إلى أقصى درجات الكمال المقدر للإنسان.
وكثيرًا ما نخطئ نحن حين نتصور للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحابته رضوان الله عليهم صورة غير حقيقية، أو غير كاملة، نجردهم فيها من كل المشاعر والعواطف البشرية، حاسبين أننا نرفعهم بهذا وننزههم عما نعده نحن نقصًا وضعفًا!.
وهذا الخطأ يرسم لهم صورة غير واقعية، صورة ملفعة بهالات غامضة لا نتبين من خلالها ملامحهم الإنسانية الأصيلة. ومن ثم تنقطع الصلة البشرية بيننا وبينهم. وتبقى شخوصهم في حِسِّنا بين تلك الهالات أقرب إلى الأطياف التي لا تلمس ولا تتماسك في الأيدي! ونشعر بهم كما لو كانوا خلقا آخر غيرنا.. ملائكة أو خلقًا مثلهم مجردًا من مشاعر البشر وعواطفهم على كل حال! ومع شفافية هذه الصورة الخيالية فإنها تبعدهم عن محيطنا، فلا نعود نتأسى بهم أو نتأثر. يأسًا من إمكان التشبه بهم أو الاقتداء العملي في الحياة الواقعية. وتفقد السيرة بذلك أهم عنصر محرك، وهو استجاشة مشاعرنا للأسوة والتقليد. وتحل محلها الروعة والانبهار، اللذان لا ينتجان إلا شعورًا مبهمًا غامضًا سحريًا ليس له أثر عملي في حياتنا الواقعية.. ثم نفقد كذلك التجاوب الحي بيننا وبين هذه الشخصيات العظيمة. لأن التجاوب إنما يقع نتيجة لشعورنا بأنهم بشر حقيقيون، عاشوا بعواطف ومشاعر وانفعالات حقيقية من نوع المشاعر والعواطف والانفعالات التي نعانيها نحن. ولكنهم هم ارتقوا بها وصفوها من الشوائب التي تخالج مشاعرنا.
وحكمة الله واضحة في أن يختار رسله من البشر، لا من الملائكة ولا من أي خلق آخر غير البشر. كي تبقى الصلة الحقيقية بين حياة الرسل وحياة أتباعهم قائمة؛ وكي يحس أتباعهم أن قلوبهم كانت تعمرها عواطف ومشاعر من جنس مشاعر البشر وعواطفهم، وإن صفت ورفت وارتقت. فيحبوهم حب الإنسان للإنسان؛ ويطمعوا في تقليدهم تقليد الإنسان الصغير للإنسان الكبير.
وفي حادث التخيير نقف أمام الرغبة الطبيعية في نفوس نساء النبي صلى الله عليه وسلم في المتاع؛ كما نقف أمام صورة الحياة البيتية للنبي صلى الله عليه وسلم ونسائه رضي الله عنهن وهن أزواج يراجعن زوجهن في أمر النفقة! فيؤذيه هذا، ولكنه لا يقبل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أن يضربا عائشة وحفصة على هذه المراجعة. فالمسألة مسألة مشاعر وميول بشرية، تُصفى وتُرفع، ولكنها لا تخمد ولا تكبت! ويظل الأمر كذلك حتى يأتيه أمر الله بتخيير نسائه. فيخترن الله ورسوله والدار الآخرة، اختيارًا لا إكراه فيه ولا كبت ولا ضغط؛ فيفرح قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بارتفاع قلوب أزواجه إلى هذا الأفق السامي الوضيء.
ونقف كذلك أمام تلك العاطفة البشرية الحلوة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحب عائشة حبًا ظاهرًا؛ ويحب لها أن ترتفع إلى مستوى القيم التي يريدها الله له ولأهل بيته فيبدأ بها في التخيير؛ ويريد أن يساعدها على الارتفاع والتجرد؛ فيطلب إليها ألا تعجل في الأمر حتى تستشير أبويها وقد علم أنهما لم يكونا يأمرانها بفراقه كما قالت وهذه العاطفة الحلوة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم لا تخطئ عائشة رضي الله عنها من جانبها في إدراكها؛ فتسرها وتحفل بتسجيلها في حديثها. ومن خلال هذا الحديث يبدو النبي صلى الله عليه وسلم إنسانا يحب زوجه الصغيرة، فيحب لها أن ترتفع إلى أفقه الذي يعيش فيه؛ وتبقى معه على هذا الأفق، تشاركه الشعور بالقيم الأصيلة في حسه، والتي يريدها له ربه ولأهل بيته. كذلك تبدو عائشة رضي الله عنها إنسانة يسرها أن تكون مكينة في قلب زوجها؛ فتسجل بفرح حرصه عليها، وحبه لها، ورغبته في أن تستعين بأبويها على اختيار الأفق الأعلى فتبقى معه على هذا الأفق الوضيء. ثم نلمح مشاعرها الأنثوية كذلك، وهي تطلب إليه ألا يخبر أزواجه الأخريات أنها اختارته حين يخيرهن! وما في هذا الطلب من رغبة في أن يظهر تفردها في هذا الاختيار، وميزتها على بقية نسائه، أو على بعضهن في هذا المقام!.. وهنا نلمح عظمة النبوة من جانب آخر في رد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لها: «إن الله تعالى لم يبعثني معنفًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا. لا تسألني واحدة منهن عما اخترت إلا أخبرتها». فهو لا يود أن يحجب عن إحدى نسائه ما قد يعينها على الخير؛ ولا يمتحنها امتحان التعمية والتعسير؛ بل يقدم العون لكل من تريد العون. كي ترتفع على نفسها، وتتخلص من جواذب الأرض ومغريات المتاع!.
هذه الملامح البشرية العزيزة ينبغي لنا ونحن نعرض السيرة ألا نطمسها، وألا نهملها، وألا نقلل من قيمتها. فإدراكها على حقيقتها هو الذي يربط بيننا وبين شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وشخصيات أصحابه رضي الله عنهم برباط حي، فيه من التعاطف والتجاوب ما يستجيش القلب إلى التأسي العملي والاقتداء الواقعي.
ونعود بعد هذا الاستطراد إلى النص القرآني. فنجده بعد تحديد القيم في أمر الدنيا والآخرة؛ وتحقيق قوله تعالى: {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} في صورة عملية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته.. نجده بعد هذا البيان يأخذ في بيان الجزاء المدخر لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه خصوصية لهن وعليهن، تناسب مقامهن الكريم، ومكانهن من رسول الله المختار:
{يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرًا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقًا كريمًا}.
إنها تبعة المكان الكريم الذي هن فيه. وهن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن أمهات المؤمنين. وهذه الصفة وتلك كلتاهما ترتبان عليهن واجبات ثقيلة، وتعصمانهن كذلك من مقارفة الفاحشة. فإذا فرض وقارفت واحدة منهن فاحشة مبينة واضحة لاخفاء فيها، كانت مستحقة لضعفين من العذاب. وذلك فرض يبين تبعة المكان الكريم الذي هن فيه.
{وكان ذلك على الله يسيرًا}. لا تمنعه ولا تصعبه مكانتهن من رسول الله المختار. كما قد يتبادر إلى الأذهان!.
{ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا}. والقنوت الطاعة والخضوع. والعمل الصالح هو الترجمة العملية للطاعة والخضوع.
{نؤتها أجرها مرتين}. كما أن العذاب يضاعف للمقارفة ضعفين.
{وأعتدنا لها رزقًا كريمًا}. فهو حاضر مهيأ ينتظرها فوق مضاعفة الأجر. فضلًا من الله ومنة.
ثم يبين لأمهات المؤمنين اختصاصهن بما ليس لغيرهن من النساء؛ ويقرر واجباتهن في معاملة الناس، وواجبهن في عبادة الله، وواجبهن في بيوتهن؛ ويحدثهن عن رعاية الله الخاصة لهذا البيت الكريم، وحياطته وصيانته من الرجس؛ ويذكرهن بما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة، مما يلقي عليهن تبعات خاصة، ويفردهن بين نساء العالمين:
{يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولًا معروفًا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفًا خبيرًا}.
لقد جاء الإسلام فوجد المجتمع العربي كغيره من المجتمعات في ذلك الحين ينظر إلى المرأة على أنها أداة للمتاع، وإشباع الغريزة. ومن ثم ينظر إليها من الناحية الإنسانية نظرة هابطة.
كذلك وجد في المجتمع نوعًا من الفوضى في العلاقات الجنسية. ووجد نظام الأسرة مخلخلًا على نحو ما سبق بيانه في السورة.
هذا وذلك إلى هبوط النظرة إلى الجنس؛ وانحطاط الذوق الجمالي؛ والاحتفال بالجسديات العارمة، وعدم الالتفات إلى الجمال الرفيع الهادئ النظيف.. يبدو هذا في أشعار الجاهليين حول جسد المرأة، والتفاتاتهم إلى أغلظ المواضع فيه، وإلى أغلظ معانيه!.
فلما أن جاء الإسلام أخذ يرفع من نظرة المجتمع إلى المرأة؛ ويؤكد الجانب الإنساني في علاقات الجنسين؛ فليست هي مجرد إشباع لجوعة الجسد، وإطفاء لفورة اللحم والدم، إنما هي اتصال بين كائنين إنسانيين من نفس واحدة، بينهما مودة ورحمة، وفي اتصالهما سكن وراحة؛ ولهذا الاتصال هدف مرتبط بإرادة الله في خلق الإنسان، وعمارة الأرض، وخلافة هذا الإنسان فيها بسنة الله.
كذلك أخذ يعنى بروابط الأسرة؛ ويتخذ منها قاعدة للتنظيم الاجتماعي؛ ويعدها المحضن الذي تنشأ فيه الأجيال وتدرج؛ ويوفر الضمانات لحماية هذا المحضن وصيانته، ولتطهيره كذلك من كل ما يلوث جوه من المشاعر والتصورات.
والتشريع للأسرة يشغل جانبًا كبيرًا من تشريعات الإسلام، وحيزًا ملحوظًا من آيات القرآن. وإلى جوار التشريع كان التوجيه المستمر إلى تقوية هذه القاعدة الرئيسية التي يقوم عليها المجتمع؛ وبخاصة فيما يتعلق بالتطهر الروحي، وبالنظافة في علاقات الجنسين، وصيانتها من كل تبذل، وتصفيتها من عرامة الشهوة، حتى في العلاقات الجسدية المحضة.
وفي هذه السورة يشغل التنظيم الاجتماعي وشئون الأسرة حيزًا كبيرًا. وفي هذه الآيات التي نحن بصددها حديث إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيه لهن في علاقتهن بالناس، وفي خاصة أنفسهن، وفي علاقتهن بالله. توجيه يقول لهن الله فيه: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}.
فلننظر في وسائل إذهاب الرجس، ووسائل التطهر، التي يحدثهن الله سبحانه عنها، ويأخذهن بها. وهن أهل البيت، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأطهر من عرفت الأرض من النساء. ومن عداهن من النساء أحوج إلى هذه الوسائل ممن عشن في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيته الرفيع.
إنه يبدأ بإشعار نفوسهن بعظيم مكانهن، ورفيع مقامهن، وفضلهن على النساء كافة، وتفردهن بذلك المكان بين نساء العالمين. على أن يوفين هذا المكان حقه، ويقمن فيه بما يقتضيه:
{يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن}.
لستن كأحد من النساء إن اتقيتن.. فأنتن في مكان لا يشارككن فيه أحد، ولا تشاركن فيه أحدًا. ولكن ذلك إنما يكون بالتقوى. فليست المسألة مجرد قرابة من النبي صلى الله عليه وسلم بل لابد من القيام بحق هذه القرابة في ذات أنفسكن.
وذلك هو الحق الصارم الحاسم الذي يقوم عليه هذا الدين؛ والذي يقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينادي أهله ألا يغرهم مكانهم من قرابته، فإنه لا يملك لهم من الله شيئًا: «يا فاطمة ابنة محمد. يا صفية ابنة عبد المطلب. يا بني عبد المطلب. لا أملك لكم من الله شيئًا. سلوني من مالي ما شئتم».
وفي رواية أخرى: «يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار. يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار. فإني والله لا أملك لكم من الله شيئًا، إلا أن لكم رحمًا سأبلها ببلالها».
وبعد أن يبين لهن منزلتهن التي ينلنها بحقها، وهو التقوى، يأخذ في بيان الوسائل التي يريد الله أن يذهب بها الرجس عن أهل البيت ويطهرهم تطهيرًا: {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض}.
ينهاهن حين يخاطبن الأغراب من الرجال أن يكون في نبراتهن ذلك الخضوع اللين الذي يثير شهوات الرجال، ويحرك غرائزهم، ويطمع مرضى القلوب ويهيج رغائبهم!.
ومن هن اللواتي يحذرهن الله هذا التحذير؛ إنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين، اللواتي لا يطمع فيهن طامع، ولا يرف عليهن خاطر مريض، فيما يبدو للعقل أول مرة. وفي أي عهد يكون هذا التحذير؟ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الصفوة المختارة من البشرية في جميع الأعصار.. ولكن الله الذي خلق الرجال والنساء يعلم أن في صوت المرأة حين تخضع بالقول، وتترقق في اللفظ، ما يثير الطمع في قلوب، ويهيج الفتنة في قلوب. وأن القلوب المريضة التي تثار وتطمع موجودة في كل عهد، وفي كل بيئة، وتجاه كل امرأة، ولو كانت هي زوج النبي الكريم، وأم المؤمنين. وأنه لا طهارة من الدنس، ولا تخلص من الرجس، حتى تمتنع الأسباب المثيرة من الأساس.
فكيف بهذا المجتمع الذي نعيش اليوم فيه. في عصرنا المريض الدنس الهابط، الذي تهيج فيه الفتن وتثور فيه الشهوات، وترف فيه الأطماع؟ كيف بنا في هذا الجو الذي كل شيء فيه يثير الفتنة، ويهيج الشهوة وينبه الغريزة، ويوقظ السعار الجنسي المحموم؟ كيف بنا في هذا المجتمع، في هذا العصر، في هذا الجو، ونساء يتخنثن في نبراتهن، ويتميعن في أصواتهن، ويجمعن كل فتنة الأنثى، وكل هتاف الجنس، وكل سعار الشهوة؛ ثم يطلقنه في نبرات ونغمات؟! وأين هن من الطهارة؟ وكيف يمكن أن يرف الطهر في هذا الجو الملوث. وهن بذواتهن وحركاتهن وأصواتهن ذلك الرجس الذي يريد الله أن يذهبه عن عباده المختارين؟!.